الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال ابن إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود قال أفرس الناس ثلاثة عزيز مصر حين قال لامرأته أكرمي مثواه والمرأة التي قالت لأبيها عن موسى: {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} وأبو بكر الصديق حين استخف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.ثم قيل اشتراه العزيز بعشرين دينارا وقيل بوزنه مسكا ووزنه حريرا ووزنه ورقا فالله أعلم وقوله: {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض} أي وكما قيضنا هذا العزيز وامرأته يحسنان إليه ويعتنيان به مكنا له في أرض مصر {ولنعلمه من تأويل الأحاديث} أي فهمها وتعبير الرؤيا من ذلك {والله غالب على أمره} أي إذا أراد شيئا فإنه يقيض له أسبابا وأمورا لا يهتدي إليها العباد ولهذا قال تعالى: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين} فدل على أن هذا كله كان وهو قبل بلوغ الأشد وهو حد الأربعين الذي يوحي الله فيه إلى عباده النبيين عليهم الصلاة والسلام من رب العالمين.وقد اختلفوا في مدة العمر الذي هو بلوغ الأشد فقال مالك وربيعة وزيد بن أسلم والشعبي هو الحلم وقال سعيد بن جبير ثماني عشرة سنة وقال الضحاك عشرون سنة وقال عكرمة خمس وعشرون سنة وقال السدي ثلاثون سنة وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة ثلاث وثلاثون سنة وقال الحسن أربعون سنة ويشهد له قوله تعالى: {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة} {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون وقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر والفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين} يذكر تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه وهي في غاية الجمال والمال والمنصب والشباب وكيف غلقت الأبواب عليها وعليه وتهيأت له وتصنعت ولبست أحسن ثيابها وأفخر لباسها وهي مع هذا كله امرأة الوزير قال ابن إسحاق وبنت أخت الملك الريان بن الوليد صاحب مصر وهذا كله مع أن يوسف عليه السلام شاب بديع الجمال والبهاء إلا أنه نبي من سلالة الأنبياء فعصمه ربه عن الفحشاء وحماه من مكر النساء فهو سيد السادة النجباء السبعة الأتقياء المذكورين في الصحيحين عن خاتم الأنبياء في قوله عليه الصلاة والسلام من رب الأرض والسماء سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وشاب نشأ في عبادة الله ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله.والمقصود أنها دعته إليها وحرصت على ذلك أشد الحرص فقال معاذ الله إنه ربي يعني زوجها صاحب المنزل سيدي أحسن مثواي أي أحسن إلي وأكرم مقامي عنده إنه لا يفلح الظالمون وقد تكلمنا على قوله ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه بما فيه كفاية ومقنع في التفسير وأكثر أو قال المفسرين هاهنا متلقى من كتب أهل الكتاب فالإعراض عنه أولى بنا والذي يجب أن يعتقد أن الله تعالى عصمه وبرأه ونزهه عن الفاحشة وحماه عنها وصانه منها ولهذا قال تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين واستبقا الباب} أي هرب منها طالبا إلى الباب ليخرج منه فرارا منها فاتبعته في أثره {وألفيا} أي وجدا سيدها أي زوجها لدى الباب فبدرته بالكلام وحرضته عليه {قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم} اتهمته وهي المتهمة وبرأت عرضها ونزهت ساحتها فلهذا قال يوسف عليه السلام: {هي راودتني عن نفسي} احتاج إلى أن يقول الحق عند الحاجة وشهد شاهد من أهلها قيل كان صغيرا في المهد قاله ابن عباس وروى عن أبي هريرة وهلال بن يساف والحسن البصري وسعيد بن جبير والضحاك واختاره ابن جرير وروى فيه حديثا مرفوعا عن ابن عباس ووقفه غيره عنه وقيل كان رجلا قريبا إلى أطفير بعلها وقيل قريبا إليها وممن قال إنه كان رجلا ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وزيد بن أسلم فقال: {إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين} أي لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدت مقدم قميصه {وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين} أي لأنه يكون قد هرب منها فاتبعته وتعلقت فيه فانشق قميصه لذلك وكذلك كان ولهذا قال تعالى: {فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم} أي هذا الذي جرى من مكركن أنت راودته عن نفسه ثم اتهمته بالباطل ثم ضرب بعلها عن هذا صفحا فقال: {يوسف أعرض عن هذا} أي لا تذكره لأحد لأن كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن وأمرها بالاستغفار لذنبها الذي صدر منها والتوبة إلى ربها فإن العبد إذا تاب إلى الله تاب الله عليه وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام إلا أنهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب ويؤاخذ بها هو الله وحده لا شريك له في ذلك ولهذا قال لها بعلها وعذرها من بعض الوجوه؛ لأنها رأت ما لا صبر لها على مثله إلا أنه عفيف نزيه برئ العرض سليم الناحية فقال: {استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين}، {وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا انا لنراها في ضلال مبين فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهم سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن إيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين قال رب السجن أحب إلى ما يدعونني إليه والا تصرف عني كيدهن أصب اليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم} يذكر تعالى ما كان من قبل نساء المدينة من نساء الأمراء وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز وعيبها والتشنيع عليها في مراودتها فتاها وحبها الشديد له تعنين وهو لا يساوي هذا لأنه مولى من الموالي وليس مثله أهلا لهذا ولهذا قلن إنا لنراها في ضلال مبين أي في وضعها الشيء في غير محله فلما سمعت بمكرهن أي بتشنيعهن عليها والتنقص لها والاشارة إليها بالعيب والمذمة بحب مولاها وعشق فتاها فأظهرن ذما وهي معذورة في نفس الأمر فلهذا أحبت أن تبسط عذرها عندهن وتبين أن هذا الفتى ليس كما حسبن ولا من قبيل ما لديهن فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها واعتدت لهن ضيافة مثلهن وأحضرت في جملة ذلك شيئا مما يقطع بالسكاكين كالأترج ونحوه وأتت كل واحدة منهن سكينا وكانت قد هيأت يوسف عليه السلام وألبسته أحسن الثياب وهو في غاية طراوة الشباب وأمرته بالخروج عليهن بهذه الحالة فخرج وهو أحسن من البدر لا محالة فلما رأينه أكبرنه أي أعظمنه وأجللنه وهبنه وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم وبهرهن حسنه حتى اشتغلن عن أنفسهن وجعلن يحززن في إيديهن بتلك السكاكين ولا يشعرن بالجراح وكلهن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم وقد جاء في حديث الإسراء فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطى شطر الحسن.قال السهيلي وغيره من الأئمة معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام لأن الله تعالى خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه فكان في غاية نهايات الحسن البشري ولهذا يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم وحسنه ويوسف كان على النصف من حسن آدم ولم يكن بينهما أحسن منهما كما أنه لم تكن أنثى بعد حواء أشبه بها من سارة امرأة الخليل عليه السلام.قال ابن مسعود وكان وجه يوسف مثل البرق وكان إذا أتته امرأة لحاجة غطى وجهه وقال غيره كان في الغالب مبرقعا لئلا يراه الناس ولهذا لما قام عذر امرأة العزيز في محبتها لهذا المعنى المذكور وجرى لهن وعليهن ما جرى من تقطيع إيدينهم بجراح السكاكين وما ركبهن من المهابة والدهش عند رؤيته ومعاينته {قالت فذلكن الذي لمتنني فيه} ثم مدحته بالعصمة التامة فقالت {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم} أي امتنع {ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين} وكان بقية النساء حرضنه على السمع والطاعة لسيدته فأبى أشد الإباء ونأى لأنه من سلالة الأنبياء ودعا فقال في دعائه لرب العالمين: {رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} يعني إن وكلتني إلى نفسي فليس لي من نفسي إلا العجز والضعف ولا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله فأنا ضعيف الا ما قويتني وعصمتني وحفظتني وحطني بحولك وقوتك ولهذا قال تعالى: {فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضى الأمر الذي فيه تستفتيان} يذكر تعالى عن العزيز وامرأته أنهم بدا لهم أي ظهر لهم من الرأي بعد ما علموا براءة يوسف أن يسجنوه إلى وقت ليكون ذلك أقل لكلام الناس في تلك القضية وأخمد لأمرها وليظهروا أنه راودها عن نفسها فسجن بسببها فسجنوه ظلما وعدوانا وكان هذا مما قدر الله له ومن جملة ما عصمه به فإنه أبعد له عن معاشرتهم ومخالطتهم ومن هاهنا استنبط بعض الصوفية ما حكاه عنهم الشافعي أن من العصمة أن لا تجد قال الله ودخل معه السجن فتيان قيل كان أحدهما ساقي الملك واسمه فيما قيل بنو والآخر خبازه يعني الذي يلي طعامه وهو الذي يقول له الترك الجاشنكير واسمه فيما قيل مجلث كان الملك قد اتهمهما في بعض الأمور فسجنهما فلما رأيا يوسف في السجن أعجبهما سمته وهديه ودله وطريقته وقوله وفعله وكثرة عبادته ربه وإحسانه إلى خلقه فرأى كل واحد منهما رؤيا تناسبه قال أهل التفسير رأيا في ليلة واحدة أما الساقي فرأى كأن ثلاث قضبان من حبلة وقد أورقت وأينعت عناقيد العنب فأخذها فاعتصرها في كأس الملك وسقاه ورأى الخباز على رأسه ثلاث سلال من خبز وضواري الطيور تأكل من السل الأعلى فقصاها عليه وطلبا منه أن يعبرهما لهما وقالا إنا نراك من المحسنين فأخبرهما أنه عليم بتعبيرها خبير بأمرها وقال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما قيل معناه مهما رأيتما من حلم فاني أعبره لكم قبل وقوعه فيكون كما أقول وقيل معناه إني أخبركما بما يأتيكما من الطعام قبل مجيئه حلوا أو حامضا كما قال عيسى وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم وقال لهما إن هذا من تعليم الله إياي لأني مؤمن به موحد له متبع ملة آبائي الكرام إبراهيم الخليل واسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا أي بأن هدانا لهذا وعلى الناس أي بأن أمرنا أن ندعوهم إليه ونرشدهم وندلهم عليه وهو في فطرهم مركوز وفي جبلتهم مغروز ولكن أكثر الناس لا يشكرون ثم دعاهم إلى التوحيد وذم عبادة ما سوى الله عز وجل وصغر أمر الأوثان وحقرها وضعف أمرها فقال يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أي هو المتصرف في خلقه الفعال لما يريد الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء أمر أن لا تعبدوا إلا إياه أي وحده لا شريك له وذلك الدين القيم أي المستقيم والصراط القويم ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي فهم لا يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره وكانت دعوته لهما في هذه الحال في غاية الكمال لأن نفوسهما معظمة له منبعثة على تلقي ما يقول بالقبول فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع لهما مما سألا عنه وطلبا منه ثم لما قام بما وجب عليه وأرشد إلى ما أرشد إليه قال يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا قالوا وهو الساقي وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قالوا وهو الخباز قضى الأمر الذي فيه تستفتيان أي وقع هذا لا محالة ووجب كونه على حالة ولهذا جاء في الحديث الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت.وقد روى عن ابن مسعود ومجاهد وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم أنهما قالا لم نر شيئا فقال لهما {قضى الأمر الذي فيه تستفتيان وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين} يخبر تعالى أن يوسف عليه السلام قال للذي ظنه ناجيا منهما وهو الساقي {اذكرني عند ربك} يعني اذكر أمري وما أنا فيه من السجن بغير جرم عند الملك وفي هذا دليل على جواز السعي في الأسباب ولا ينافي ذلك التوكل على رب الأرباب وقوله: {فأنساه الشيطان ذكر ربه} أي فأنسى الناجي منهما الشيطان أن يذكر ما وصاه به يوسف عليه السلام قاله مجاهد ومحمد بن إسحاق وغير واحد وهو الصواب وهو منصوص أهل الكتاب {فلبث يوسف في السجن بضع سنين} والبضع ما بين الثلاث إلى التسع وقيل إلى السبع وقيل إلى الخمس وقيل ما دون العشرة حكاها الثعلبي ويقال يضع نسوة وبضع رجال ومنع الفراء استعمال البضع فيما دون العشر قال وإنما يقال نيف وقال الله تعالى: {فلبث في السجن بضع سنين} وقال تعالى: {في بضع سنين} وهذا رد لقوله قال الفراء ويقال بضعة عشر وبعضة وعشرون إلى التسعين ولا يقال بضع ومائة وبضع والف وخالف الجوهري فيما زاد على بضعة عشر فمنع أن يقال بضعة وعشرون إلى تسعين وفي الصحيح الايمان بضع وستون وفي رواية وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ومن قال إن الضمير في قوله فأنساه الشيطان ذكر ربه عائد على يوسف فقد ضعف ما قاله وإن كان قد روى عن ابن عباس وعكرمة والحديث الذي رواه ابن جرير في هذا الموضع ضعيف من كل وجه تفرد بإسناده إبراهيم بن يزيد الخوري المكي وهو متروك ومرسل الحسن وقتادة لا يقبل ولا هاهنا بطريق الأولى والأحرى والله أعلم.فأما قول ابن حبان في صحيح ذكر السبب الذي من أجله لبث يوسف في السجن ما لبث أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي ثنا مسدد بن مسرهد ثنا خالد بن عبد الله ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قالها اذكرني عند ربك ما لبث في السجن ما لبث ورحم الله لوطا أن كان ليأوي إلى ركن شديد إذ قال لقومه لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد قال فما بعث الله نبيا بعده إلا في ثروة من قومه فإنه حديث منكر من هذا الوجه ومحمد بن عمرو بن علقمة له أشياء ينفرد بها وفيها نكارة وهذه اللفظة من أنكرها وأشدها والذي في الصحيحين يشهد بغلطها والله أعلم وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبلة إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون هذا كان من جملة أسباب خروج يوسف عليه السلام من السجن على وجه الاحترام والإكرام وذلك أن ملك مصر وهو الريان بن الوليد بن ثروان بن اراشه بن فاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح رأى هذه الرؤيا قال أهل الكتاب رأى كأنه على حافة نهر وكأنه قد خرج منه سبع بقرات سمان فجعلن يرتعن في روضة هناك فخرجت سبع هزال ضعاف من ذلك النهر فرتعن معهن ثم ملن عليهن فأكلنهن فاستيقظ مذعورا ثم نام فرأى سبع سنبلات خضر في قصبة واحدة وإذا سبع أخر دقاق يابسات فأكلنهن فاستيقظ مذعورا فلما قصها على ملئه وقومه لم يكن فيهم من يحسن تعبيرها بل قالوا أضغاث أحلام أي أخلاط أحلام من الليل لعلها لا تعبير لها ومع هذا فلا خبرة لنا بذلك ولهذا قالوا وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين فعند ذلك تذكر الناجي منهما الذي وصاه يوسف بأن يذكره عند ربه فنسيه إلى حينه هذا وذلك عن تقدير الله عز وجل وله الحكمة في ذلك فلما سمع رؤيا الملك ورأى عجز الناس عن تعبيرها تذكر أمر يوسف وما كان أوصاه به من التذكار ولها قال تعالى وقال الذي نجا منهما وأدكر أي تذكر بعد أمة أي بعد مدة من الزمان وهو بضع سنين وقرأ بعضهم كما حكى عن ابن عباس وعكرمة والضحاك و{أدكر بعد أمة} أي بعد نسيان وقرأها مجاهد بعد أمه بإسكان الميم وهو النسيان أيضا يقال أمه الرجل يأمه أمها وأمها إذا نسي قال الشاعر:
فقال لقومه وللملك: {أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون} أي فأرسلوني إلى يوسف فجاءه فقال: {يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون} وعند أهل الكتاب أن الملك لما ذكره له الساقي استدعاه إلى حضرته وقص عليه ما رآه ففسره له وهذا غلط والصواب ما قصه الله في كتابه القرآن لا ما عربه هؤلاء الجهلة الثيران من قراى وربان فبذل يوسف عليه السلام ما عنده من العلم بلا تأخر ولا شرط ولا طلب الخروج سريعا بل أجابهم إلى ما سألوا وعبر لهم ما كان من منام الملك الدال على وقوع سبع سنين من الخصب ويعقبها سبع جدب ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس يعني يأتيهم الغيث والخصب والرفاهية وفيه يعصرون يعني ما كانوا يعصرونه من الأقصاب والأعناب والزيتون والسمسم وغيرها فعبر لهم وعلى الخير دلهم وأرشدهم إلى ما يعتمدونه في حالتي خصبهم وجد بهم وما يفعلونه من ادخار حبوب سنى الخصب في السبع الأول في سنبله الا ما يرصد بسبب الأكل ومن تقليل البذر في سنى الجدب في السبع الثانية إذ الغالب على الظن أنه لا يرد البذر من الحقل وهذا يدل على كمال العلم وكمال الرأي والفهم.
|